هي عاتكة بنت عبد
المطلب بن هاشم القرشية الهاشمية ، عمّة الرسـول الكريم
كانت زوجة أبي أمية بن المغيرة ، والد أم سلمة زوج النبـي -صلى الله عليه
وسلم- ، رُزِقت منه عبد الله و زهير وقُرَيْبَة وغيرهما ، أسلمت بمكة
وهاجرت
الى المدينة ، عبد الله لم يُسلم ، ولكن الزهير كان ممن سعى في نقض الصحيفة
التي تعاهدت فيها قريش على مقاطعة النبـي -صلى الله عليه وسلم- والذين
اتبعوه ، ثم أسلم -رضي الله عنه-000
الرؤيا
كانت عاتكة بنت عبد المطلب قد رأت رؤيا أفزعتها ، وعظمت في صدرها ، فأخبرت
بها أخاها العباس بن عبد المطلب ، وقالت :( اكتم عليّ مما أحدثك )000فقال
لها :( وما رأيت ؟)000قالت :( رأيت راكباً أقبل على بعير له ، حتى وقف
بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ، يا آل غُدْرٍ انفروا إلى مصارعكم ، في ثلاث ،
صرخ بها ثلاث مرّات ، فأرى الناس اجتمعوا إليه فدخلوا المسجد ، والناس
يتبعونه ، فبينما هم حوله مَثَل بِهِ بعيره على ظهر الكعبة ، ثم صرخ بمثلها
ثلاثاً : ألا تنفروا يا آل غُدْرٍ إلى مصارعكم ، في ثلاث ، ثم مثل به
بعيره على رأي -جبل- أبي قُبَيْس ، فصرخ بمثلها ثلاثاً ، ثم أخذ صخرة من
أبي قُبَيْس فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل انفضت -تفتت-
فما بقي بيتٌ من بيوت مكة ولا دار من دور مكة إلا دخلته منها فلذةٌ ، ولم
يدخل داراً ولا بيتاً من بيوت بني هاشم ولا بني زهرة من تلك الصخرة
شيئاً000 فقال أخوها العباس :( والله إن هذه لرؤيا ، وأنت فاكتميها ولا
تذكريها لأحد )000
قريش والرؤيا
ثم خرج العباس مغتماً فلقيَ الوليد بن عتبة بن ربيعة ، وكان صديقاً له
فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها الوليد لأبيه عتبة ، ففشا الحديث بمكة
حول الرؤيا حتى تحدّثت به قريش في أنديتها ، قال العباس : فغدوت لأطوف
بالبيت ، وأبو جهل في رهط من قريش قعود يتحدثون برؤيا عاتكة ، فلما رآني
أبو جهل قال :( يا أبا الفضلِ إذا فرغت من طوافك فاقبل علينا )000فلمّا
فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي أبو جهل :( يا بني عبد المطلب ، متى
حدثت فيكم هذه النبيّة ؟)000قلتُ :( وما ذاك ؟)000قال :( تلك الرؤيا التي
رأت عاتكة ؟)000فقلت :( وما رأت ؟)000قال :( يا بني عبد المطلب ، أما رضيتم
أن يتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت عاتكة في رؤياها أنه قال :
انفروا في ثلاث ، فسنتربّص بكم هذه الثلاث ، فإن يكُ حقاً ما تقول فسيكون ،
وإن تمضِ الثلاث ولم يكن من ذلك شيئ ، نكتب عليكم كتاباً أنّكم أكذب أهل
بيت في العرب )000قال العباس :( فوالله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت
ذلك ، وأنكرت أن تكون قد رأت شيئاً ، ثم تفرّقنا )000
نساء عبد المطلب
يقول العباس :( فلمّا أمسيت لم تبقَ امرأة من بني عبد المطلب إلا أتتني ،
فقالت :( أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ، ثم قد تناول النساء
وأنت تسمع ، ثم لم يكن عندك غيرٌ لشيء مما سمعت ؟)000قلت :( قد والله فعلت
، ما كان مني إليه من كبير ، وأيم الله لأتعرَّضنَّ له ، فإن عاد
لأكفينكُنّه )000
تحقيق الرؤيا
قال العباس :( فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا عاتكة ، وأنا حديد مُغضَبٌ
أرى أني قد فاتني منه أمرٌ أحب أن أدركه منه ، فدخلت المسجد فرأيته فوالله
إني لأمشي نحْوه أتعرّضه ، ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا
حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، فما أن رآني إذ خرج يشتدّ نحو
الباب فقلت في نفسي :( ما له لعنه ؟ أكلُّ هذا فَرَقٌ مني -أي خوف مني- ،
وإذا هو قد سمِعَ ما لم أسمع ، سمع صوت ضَمْضَم بن عمرو الغفاريّ ، وهو
يصرخ ببطن الوادي ، واقفاً على بعيره قد جَدَعَ بعيره وحوّل رحله ، وشقّ
قميصه وهو يقول :( يا معشر قريش ، اللطيمة اللطيمة !! أموالكم مع أبي سفيان
قد عرض لها محمد في أصحابه ، لا أرى أن تُدركوها ، الغَوْثَ الغَوْثَ
!!)000قال العباس :( فشغلني عنه وشغله عني ما قد جاء من الأمر )000
وبذلك تحقق رؤيا عاتكة -رضي الله عنها- ، ويُساق أشراف قريش الى مصارعهم في
بدر ، وعلى رأسهم أبو جهل الذي قتله الله تعالى على يدِ أصحاب رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- شرّ قتلة ، فكانت هذه الرؤيا في نفس عاتكة تزيدها
يقيناً وتصديقاً برسول الله تعالى ، وأنه ناصره ومؤيد دينه ، وخاذل عدوه000