عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن
الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى
الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول
الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن
في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب)
متفق عليه.
هذا الحديث أحد أصول الإسلام التي يدور
عليها أحكام الحلال والحرام وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم فيه حد الشبهات
والمنهج الشرعي في التعامل معها . وفيه مسائل:
الأولى:
في الحديث دلالة على أن الأشياء من حيث الحكم ثلاثة أقسام:
1-
حلال خالص لا شبهة فيه كالملابس والمطاعم والمراكب المباحة.
2-
حرام خالص لا شبهة فيه كشرب الخمر والربا والزنا وأكل مال اليتيم ونحوها مما نص
الشرع على تحريمه.
3-
مشتبه بين الحلال والحرام كالمعاملات والمطاعم التي يتردد في حكمها .
والأصل في الأعيان والتصرفات الإباحة لقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض
جميعا ).
الثانية:
الشبهة هي كل أمر تردد حكمه بين الحلال والحرام بحيث يشتبه أمره على المكلف
أحلال هو أو حرام . وقد فسر الإمام أحمد الشبهة " بأنها منزلة بين الحلال
والحرام يعني الحلال الخالص والحرام الخالص وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام
". والإشتباه نوعان:
1-
إشتباه في الحكم: كالمسائل والأعيان التي يتجاذبها أصلان حاضر ومبيح.
2-
إشتباه في الحال: كمن وجد شيئا مباحا في بيته فهل يتملكه بناء على أنه داخل في
ملكه أو يخرجه بناء على أنه مال للغير.
الثالثة:
الإشتباه أمر نسبي ليس بمطلق فلا يقع الإشتباه لجميع الناس ولكن يقع لكثير منهم
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يعلمهن كثير من الناس ) ولا يكون
الإشتباه أصليا في دلالة النصوص قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء ) وإنما
يعرض لأفهام الناس ويزول بالإجتهاد والإطلاع الواسع واستقراء النصوص ولذلك يقل
في العلماء ، ولا يمكن أبدا أن يقع الإشتباه في المسائل العملية عند جميع
العلماء لأن الله قد تكفل بحفظ شرعه وبيانه للناس ، ولا تضل الأمة جمعاء عن
معرفة الحق ولا يزال في الأرض قائم لله بحجة.