بقلم: أنيس منصور
أستاذنا العظيم أرسطو هو الذي قال: إن الدهشة بداية المعرفة..
يعني إذا اندهشت فإنك تسأل ما هذا ولماذا وكيف ومتى..؟ وأعظم وأروع مثل على
ذلك هذه الواقعة التاريخية.
فعندما أرسل محمد علي باشا البعثات إلى
أوروبا.. وقف المصريون مذهولين أمام شيء غريب: عربة الرش.. عربة يجرها حصان
وترش الشوارع بالماء.. وقد ذكر الشيخ رفاعة الطهطاوي هذه الحادثة في كتابه
«تخليص الإبريز في تلخيص باريز». وقال إنه عندما رأى عربة الرش طلب من
الله أن يقيض للكنانة مثل هذا الاختراع اللطيف.. فقد كانت هذه العربة ترش
الماء في ميدان الكونكورد في ساعتين.
بينما نحن في القاهرة نرش ميدان
الرماية من الصبح للمساء..حتى جاء محمد علي باشا الكبير ولاحظ بذكائه أن
مصر ضعيفة عسكريا جاهلة علميا.. فقرر بناء جيش وأوفد البعثات العسكرية
والعلمية إلى إيطاليا وفرنسا.. وكان يتابع أخبار المبعوثين ويتابع ظروفهم
العائلية.. وبدأت نهضة مصر..
وفي الوقت نفسه ظهرت في ميناء طوكيو
بارجتان أميركيتان تريدان تزويد الأسطول بالماء العذب ومعالجة من يصاب من
الجنود. واندهش اليابانيون من وجود مدافع على ظهور السفن واندهشوا لأن
الجنود يرتدون زيا موحدا.. وبعد أن غادر الأسطول الأميركي جلس اليابانيون
يفكرون. فقد تأكد لهم أنهم متخلفون.. وتأكد أنهم يجهلون علوما وفنونا
كثيرة. فأرسلوا أحد عشر رجلا إلى كل بلاد العالم يبحثون عن سبب تخلف
اليابان.. وعاد الرجال.. وكان على اليابان أن تختار إما إيفاد مبعوثين إلى
أوروبا سنوات وبعدها يعودون ليعلموا الشعب الياباني.. وإما أن يستوردوا
عددا من علماء الغرب يعلمون المئات والألوف.. واختاروا المبعوثين الأجانب
ليعلموهم.. من إنجلترا يعلمونهم بناء السكك الحديدية، ومن ألمانيا بناء
المستشفيات، ومن إيطاليا يعلمونهم الرسم والموسيقى، ومن فرنسا يعلمونهم وضع
دستور للبلاد، ومن أميركا يعلمونهم بناء المدارس والتربية والتعليم..
وأقفلت اليابان على نفسها الأبواب.. وفوجئ العالم بأن الأسطول الياباني دخل
معركة مع الأسطول الروسي وانتصر عليه. وتسارع الأوروبيون في عقد معاهدات
مع اليابان: عدم الاعتداء والتجارة والصناعة والزراعة وصيد الأسماك..
وسبقونا وكل الدول الآسيوية!